إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
شرح القواعد الأربعة
24720 مشاهدة
القاعدة الأولى: معرفة توحيد الربوبية وأن الكفار مقرُّون به

ذكر أن معرفة هذا يكون بأربع قواعد، ذكرها الله تعالى في كتابه. - نقرأ القاعدة الأولى-
القاعدة الأولى: أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرِّون بأنَّ الله تعالى هو الخالق المدبِّر، وأن ذلك لم يدخلهم في الإسلام.
والدليل قوله تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ


هذه القاعدة ترد على القبوريين الذين يعبدون الأموات، ويصرفون لهم خالص العبادات فيقولون: إننا لا نشرك، وإنما نتوسل. كما يأتي في القاعدة التي بعدها، وكيف تجعلوننا مثل المشركين الأولين؟ المشركون الأولون كذبوا الرسول ونحن نصدقه. وكذبوا القرآن. وقالوا: إن هذا إلا سحر مفترى، وقالوا شاعر أو كاهن أو ساحر.
ونحن نقول: إنه رسول الله، وأن القرآن كلام الله. وقالوا أيضا: إنه ليس هناك بعث، ونحن نقر بالبعث وباليوم الآخر، فكيف تجعلوننا مثلهم؟ فبين لهم في هذه القواعد أنكم مثلهم في الشرك، وفي الاعتقاد.
هذه القاعدة تبين أن المشركين الأولين لم يكونوا يجحدون خلق الله تعالى للخلق، بل يعترفون بأن ربنا سبحانه هو الخالق، ويسمى هذا الاعتراف وهذا النوع توحيد الربوبية، يعني: التوحيد الذي يعترف به المشركون هو أن الله تعالى هو الذي خلقهم، وهو الذي يرزق من يشاء، وهو الذي يدبر الأمور، هو الخالق، يعني: الذي بدأ الخلق، وهو الرازق الذي يرزقهم، وهو الذي يدبر الأمور كيف يشاء.
وهذا ذكره الله تعالى عن المشركين -يعني الوثنيين- في عدة آيات، هذه الآية في سورة يونس: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ يعترفون بأن ذلك من الله، فالذي يرزقهم من السماء -يعني الذي ينزل المطر حتى يرحمهم- هو الله الذي جعل هذه الأرض رخاء، حتى تنبت لهم النبات، هو الله الذي يعترفون بأنه هو الذي خلق هذه المخلوقات، كذلك يملك السمع والأبصار، يعني: هو الذي أعطى الإنسان، وأعطى هذه الحيوانات السمع والبصر، وإذا ذهب السمع فمن يَرُدُّهُ؟ وكذلك إذا ذهب البصر.
يقول تعالى في سورة الأنعام: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ يعترفون بأنه لا يملك ذلك إلا الله. يملك السمع والأبصار، ويخرج الحي من الميت.
قيل: إن الحي هو النبات يخرج من الأرض الميتة، ويحيي الأرض بعد موتها، ويخرج الميت من الحي: أنه الثمر الذي يخرج من هذا الشجر. فالثمر إذا قُطِفَ يكون ليس به نمو، فكأنه ميت، وفسر بأنه عام لذلك، وأن مثاله مثلا: يخرج البيض من الطير، والبيض ميت، ويخرج الفرخ من البيض، الفرخ حي، والبيض ميت.
وفُسِّر بأنها حياة معنوية: يعني يخرج المسلم من الكافر، والكافر من المسلم؛ فإن الله تعالى جعل الكفار أمواتا في قوله تعالى: وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ فالأحياء هم المؤمنون، والأموات هم الكفار. يخرج الله تعالى من الكفار ذرية مسلمين، ويخرج أيضا من المسلمين ذرية كفارا يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ؟ من الذي يدبر هذه الشمس؟ من الذي خلقها ويسيرها؟ والقمر: من الذي يسيره، وجعله بهذا المقدار؟ تارة يكون إلى جانب الشمس، وتارة يكون بعيدا عنها؟ ومن يسير هذه الأفلاك؟ هذه النجوم وما فيها من العجائب؟ وكذلك من يرسل الرياح؟ من ينشئ السحب؟ يعترفون بأن ذلك هو الله، دل على أنهم معترفون بهذا النوع الذي هو توحيد الربوبية.
ومثل هذه الآية آيات في سورة المؤمنون قوله تعالى: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا يعني: لِمَن ما في الأرض كلها، ومن فيها من النباتات والحيوانات والدواب والوحوش والحشرات وما أشبهها، قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ .
يعترفون بأنها ملك لله؛ لأنه ليس هم الذين يدبرونها، وليس هم الذين خلقوها، الله تعالى هو الذي ابتدأ خلق الوحوش، وخلق الطيور، وخلق الحشرات، وخلق الحيوانات التي في البر والبحر قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ .
أي: السماوات والأرض، يعني أنهم يعترفون بأن السماوات سبع، ويعترفون بأن الله تعالى على العرش، وأنه رب العرش العظيم. فسيقولون: لله، أي هي خلق لله، وهي ملك لله قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ من بيده: يتصرف فيها كما يشاء، ملكوت كل شيء وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ .
أي: فهو الذي يتصرف فيها، يُفْقِرُ ويغني، يميت ويحيي، يشفي ويبرئ، يمنع ويعطي، يتصرف فيها قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ يعني: هو الذي يحمي من أراد من عباده ويحفظهم، ولا أحد يجير عنه، إذا أراد الله تعالى بعبده، أو بأحد من عباده ضرا أو نفعا لن يقدر أحد أن يمنعه.
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ يقول عليه السلام: لو اجتمع الناس على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك فالحاصل أنهم يعترفون بأن هذا كله لله.
وقال تعالى في سورة العنكبوت: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ -يعني سيرهما- لَيَقُولُنَّ اللَّهُ يعني: يعترفون بأن ذلك لله تعالى، ثم قال: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ يعترفون بذلك.
ومثلها أيضا في سورة لقمان، وفي سورة الزخرف: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ وفي آخر السورة هنا: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وفي سورة الزمر: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ .
الآية. في قولهم: الله، اعتراف منهم بأن الله هو الذي أوجد هذه الموجودات، وهو الذي خلقها. ولكن هذا الاعتراف ما عصم دماءهم، ولا أدخلهم في الدين، بل يصبح حجة عليهم في توحيد العبادة؛ ولهذا في آيات المؤمنون: سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ - يعني فتعبدونهم - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ .
يعني: إذا كنتم تعترفون، لماذا لا تتقون الله؟ فتخلصون له العبادة، وتعبدونه وحده سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ أي: كيف تُصْرَفُون عن عبادته، وتعبدون معه غيره؟ ! فاحتج عليهم بتوحيد الربوبية الذي يعترفون به، على توحيد العبادة الذي يشهدونه، ويجعلون مع الله تعالى آلهة أخرى.
وإذا قلت: إن الله تعالى دائما يذكر هذا النوع، ويكرر وصفه بهذه المخلوقات، فالجواب: أن ذلك دعوة للمشركين إلى الاعتراف بأنه المستحق للعبادة وحده، ولهذا لما أمر الله تعالى بعبادته في أول سورة البقرة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ احتج عليهم بست آيات: الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ؛ فهذا احتجاج عليهم: كيف تعبدون معه غيره؟ وهو الذي خلقكم وخلق أسلافكم، وأنعم عليكم بهذه النعم؟ !
وَذكروا أنه لما نزل قول الله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ قال المشركون: كيف يسع الناس كلهم إله واحد؟! ما الدليل؟! أنزل الله بعدها: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ إلى آخر الآية، أي أن هذا دليل، وهذه آيات وبراهين تدل على أنه إله واحد.
وأخذ ذلك ابن المعتز ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية في سورة البقرة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ذكر قول ابن المعتز
فواعجـبا كيـف يعصـى الإلـه؟
أم كيـف يجحـده الجـاحـدُ؟
وفـي كـل شـيء لـه آيــة
تــدل عـلـى أنـه واحـدُ
وللـه فـي كــل تحـريكــةٍ
وتسـكينةٍ أبــدًا شـاهــدُ
يعني: أنه إذا تفكر في آيات الله تعالى، عرف قدرة الله، فهذا يعني احتجاجًا عليهم بما يعترفون به.
نقرأ القاعدة الثانية: